فصل: ومن باب حسن العشرة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب في الولاء:

قال أبو داود: حدثنا قتيبة قال قرئ على مالك وأنا حاضر قال مالك عرض عن نافع عن ابن عمر «أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أرادت أن تشتري جارية فتعتقها، فقال أهلها نبيعكها على أن ولاءها لنا فذكرت عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا يمنعك ذلك فإن الولاء لمن أعتق».
قال: وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع بن الجراح عن سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: قال رسول الله «الولاء لمن أعطى الثمن ووَلِي النعمة».
قال الشيخ: في حديث ابن عمر دليل على أن بيع المملوك بشرط العتق جائز.
وقوله: «لا يمنعك ذلك» معناه إبطال ما شرطوه من الولاء لغير المعتق.
وفي قوله: «الولاء لمن أعطى الثمن وولي النعمة» دليل على أن لا ولاء إلا لمعتق وذلك أن دخول الألف واللام في الاسم مع الإضافة يعطي السلب والإيجاب كقولك الدار لزيد والمال للورثة فيه إيجاب ملك الدار وإيجاب المال للورثة وقطعهما عن غيرهما، وإذا كان كذلك ففيه دليل على أن من أسلم على يدي رجل فانه لا يرثه ولا يكون له ولاؤه لأنه لم يعتقه.

.ومن باب الرجل يسلم على يدي الرجل:

قال أبو داود: حدثنا يزيد بن خالد الرملي وهشام بن عمار الدمشقي قالا: حَدَّثنا يحيى وهو ابن حمزة عن عبد العزيز بن عمر قال: سمعت عبد الله بن موهب يحدث عمر بن عبد العزيز عن قبيصة بن ذؤيب عن تميم الداري «أنه قال يا رسول الله ما السنة في الرجل يسلم على يدي الرجل من المسلمين قال هو أولى الناس بمحياه ومماته».
قال الشيخ: قد احتج به من يرى توريث الرجل ممن يسلم على يده من الكفار وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه، إلاّ أنهم قد زادوا في ذلك شرطًا وهو أن يعاقده ويواليه فإن أسلم على يده ولم يعاقده ولم يواله فلا شيء له.
وقال إسحاق بن راهويه كقول أبي حنيفة وأصحابه إلاّ أنه لم يذكر الموالاة.
قلت: ودلالة الحديث مبهمة وليس فيه أن يرثه إنما فيه أنه أولى الناس بمحياه ومماته، وقد يحتمل أن يكون ذلك في الميراث ويحتمل أنه يكون ذلك في رعي الذمام والإيثار بالبر وما أشبههما من الأمور، وقد عارضه قوله صلى الله عليه وسلم: «الولاء لمن أعتق» وقال أكثر الفقهاء لا يرثه وضعف أحمد بن حنبل حديث تميم الداري هذا وقال: عبد العزيز راويه ليس من أهل الحفظ والإتقان.

.ومن باب بيع الولاء:

قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وعن هبته».
قال الشيخ: قال ابن الأعرابي محمد بن زياد كانت العرب تبيع ولاء مواليها وتأخذ عليه المال وأنشد في ذلك:
فباعوه مملوكًا وباعوه معتقًا ** فليس له حتى الممات خلاص

فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
قلت: وهذا كالإجماع من أهل العلم؛ إلاّ أنه قد روي عن ميمونة أنها كانت وهبت ولاء مواليها من العباس أو من ابن عباس رضي الله عنهما.
قال الشيخ: وسمعت أبا الوليد حسان بن محمد يذكر أن الذي وهبته ميمونة من الولاء كان ولاء سابية. وولاء السابية قد اختلف فيه أهل العلم.

.ومن باب المولود يستهل ثم يموت:

قال أبو داود: حدثنا حسين بن معاذ حدثنا عبد الأعلى حدثنا محمد، يَعني ابن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قُسيط، عَن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا استهل المولود وُرِّث».
قال الشيخ: قوله: «استهل» معناه رفع صوته بأن يصرخ أو يبكي وكل من رفع صوته بشيء فقد استهل به.
قلت: ومعنى الاستهلال هاهنا أن يوجد مع المولود أمارة الحياة فلو لم يتفق أن يكون منه الاستهلال وهو رفع الصوت وكان منه حركة أو عطاس أو تنفس أو بعض ما لا يكون ذلك إلاّ من حي فانه يورث لوجود ما فيه من دلالة الحياة. إلى هذا ذهب سفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأحسبه قول أبي حنيفة وأصحابه وقال مالك بن أنس لا ميراث له وإن تحرك أو عطس ما لم يستهل. وروي عن محمد بن سيرين والشعبي والزهري وقتادة أنهم قالوا لا يورث المولود حتى يستهل.

.ومن باب في الحِلْفِ:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن عاصم الأحول قال: سمعت أنس بن مالك يقول: «حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في دارنا مرتين أو ثلاثًا».
قال الشيخ: كان سفيان بن عيينة يقول معنى حالف آخى ولا حلف في الإسلام كما جاء في الحديث.

.ومن باب المرأة ترث من دية زوجها:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد قال: «كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول الدية للعاقلة لا ترث المرأة من دية زوجها حتى قال له الضحاك بن سفيان كتب إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أورث امرأة أشْيم الضبابي من دية زوجها فرجع عمر عنه».
قال الشيخ: فيه من الفقه أن دية القتيل كسائر ماله يرثها من يرث تركته وإذا كان كذلك ففيه دليل على أن القتيل إذا عفا عن الدية كان عفوه جائزًا في ثلث ماله لأنه قد ملكه، وهذا إنما يجور في قتل الخطأ لأن الوصية بالدية إنما تقع للعاقلة الذين يغرمون الدية دون قتل العمد لأن الوصية فيه إنما تقع للقاتل ولا وصية لقاتل كالميراث.
وإنما كان يذهب عمر رضي الله عنه في قوله الأول إلى ظاهر القياس وذلك أن المقتول لا تجب ديته إلاّ بعد موته وإذا مات فقد بطل ملكه، فلما بلغته السنة ترك الرأي وصار إلى السنة، وكان مذهب عمر رضي الله عنه أن الدية للعاقلة الذين يعقلون عنه إلى أن بلغه الخبر فانتهى إليه.

.كتاب الأدب:

.ومن باب في الوقار:

قال أبو داود: حدثنا النفيلي حدثنا زهير حدثنا قابوس بن أبي ظبيان أن أباه حدثه حدثنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الهَدْي الصالح والسمْت الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءًا من النبوة».
قال الشيخ: هدي الرجل حاله ومذهبه وكذلك سمته. وأصل السمت الطريق المنقاد والاقتصاد سلوك القصد في الأمر والدخول فيه برفق وعلى سبيل يمكن الدوام عليه كما روي أنه قال خير الأعمال أدومها وإن قل.
يريد أن هذه الخلال من شمائل الأنبياء صلوات الله عليهم ومن الخصال المعدودة من خصالهم وأنها جزء من أجزاء فضائلهم فاقتدوا بهم فيها وتابعوهم عليها، وليس معنى الحديث أن النبوة تتجزأ ولا أن من جمع هذه الخلال كان فيه جزء من النبوة مكتسبة ولا مجتلبة بالأسباب، وإنما هي كرامة من الله سبحانه وخصوصية لمن أراد إكرامه بها من عباده والله يعلم حيث يجعل رسالاته وقد انقطعت النبوة بموت محمد صلى الله عليه وسلم.
وفيه وجه آخر وهو أن يكون معنى النبوة هاهنا ما جاءت به النبوة ودعت إليه الأنبياء صلوات الله عليهم. يريد أن هذه الخلال جزء من خمسة وعشرين جزءًا مما جاءت به النبوات ودعا إليه الأنبياء صلوات الله عليهم.
وقد أمرنا باتباعهم في قوله عز وجل: {فبهداهم اقتده} [الأنعام: 9].
وقد يحتمل وجهًا آخر وهو أن من اجتمعت له هذه الخلال لقيه الناس بالتعظيم والتوقير وألبسه الله لباس التقوى الذي يلبسه أنبياؤه فكأنها جزء من النبوة والله أعلم.
قال أبو داود: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما تعدون الصُّرَعَة فيكم قالوا الذي لا يصرعه الرجال، قال لا ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب».
قال الشيخ: الصرعة مفتوحة الراء هو الذي يصرع الرجال ويغلبهم في الصراع ومثله رجل خدعة إذا كان خداعًا للناس ولعبة إذا كان كثير اللعب، فأما اللعبة ساكنة العين فهو اسم الشيء الذي يلعب به، واللعبة مكسورة اللام الحال والهيئة في اللعب كالجلسة والقعدة والركبة ونحوها.
قال أبو داود: حدثنا يوسف بن موسى حدثنا جرير بن عبد الحميد عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال: «استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فغضب أحدهما غضبًا شديدًا حتى يخيل إلي أن أنفه يتمزع من شدة غضبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد من الغضب فقال ما هي يا رسول الله، قال يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم».
قال الشيخ: قوله: «يتمزع» أي يتشقق ويتقطع والمزعة القطعة من الشيء.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو معاوية حدثنا داود بن أبي هند، عَن أبي حرب بن أبي الأسود، عَن أبي ذر قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع».
قال الشيخ: القائم متهيئ للحركة والبطش والقاعد دونه في هذا المعنى والمضطجع ممنوع منهما، فيشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بالقعود والاضطجاع لئلا تبدر منه في حال قيامه وقعوده بادرة يندم عليها فيما بعد والله أعلم.

.ومن باب حسن العشرة:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني حدثنا عبد الرزاق حدثنا بشر بن أبي رافع عن يحيى بن أبي كثير، عَن أبي سلمة، عَن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن غِر كريم والفاجر خَب لئيم».
قال الشيخ: معنى هذا الكلام أن المؤمن المحمود هو من كان طبعه وشيمته الغرارة وقلة الفطنة للشر وترك البحث عنه وإن ذلك ليس منه جهلًا لكنه كرم وحسن خلق وإن الفاجر من كانت عادته الخب والدهاء والوغول في معرفة الشر وليس ذلك منه عقلًا لكنه خب ولؤم.
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن محمد بن عمرو، عَن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها «أن رجلًا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم بئس أخو العشيرة، فلما دخل انبسط إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه فلما خرج قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما استأذن قلت بئس أخو العشيرة، فلما دخل انبسطت إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة إن الله عز وجل لا يحب الفاحش المتفحش».
قال الشيخ: أصل الفحش زيادة الشيء على مقداره ومن هذا قول الفقهاء يصلي في الثوب الذي أصابه الدم إذا لم يكن فاحشًا أي كثيرًا مجاوزًا للقدر الذي يتعافاه الناس فيما بينهم.
يقول صلى الله عليه وسلم إن استقبال المرء صاحبه بعيوبه إفحاش والله لا يحب الفحش، ولكن الواجب أن يتأنى له ويرفق به ويكني في القول ويوري ولا يصرح.
وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكره بالعيب الذي عرفه به قبل أن يدخل وهذا من النبي صلى الله عليه وسلم لا يجري مجرى الغيبة، وإنما فيه تعريف الناس أمره وزجرهم عن مثل مذهبه، ولعله قد تجاهر بسوء فعاله ومذهبه ولا غيبة لمجاهر والله أعلم.

.ومن باب في الحياء:

قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن شعبة عن منصور عن رِبْعِيّ بنِ حِِرَاش عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت».
قال الشيخ: معنى قوله: «النبوة الأولى» أن الحياء لم يزل أمره ثابتًا واستعماله واجبًا منذ زمان النبوة الأولى وأنه ما من نبي إلاّ وقد ندب إلى الحياء وبعث عليه وأنه لم ينسخ فيما نسخ من شرائعهم ولم يبدل فيما بدل منها؛ وذلك أنه أمر قد علم صوابه وبان فضله واتفقت العقول على حسنه وما كان هذا صفته لم يجز عليه النسخ والتبديل. وقوله: «فافعل ما شئت» فيه ثلاثة أقوال: أحدها أن يكون معناه الخبر وإن كان لفظه لفظ الأمر كأنه يقول إذا لم يمنعك الحياء فعلت ما شئت أي ما تدعوك إليه نفسك من القبيح، وإلى نحو من هذا ذهب أبو عبيد القاسم بن سلام رحمة الله عليه.
وقال أبو العباس أحمد بن يحيى معناه الوعيد كقوله تعالى: {اعملوا ما شئتم} [فصلت: 40].
وقال أبو إسحاق المروزي فقيه الشافعية معناه أن ينظر فإذا كان الشيء الذي يريد أن يفعله مما لا يستحى منه فافعله، يريد أن ما يستحى منه فلا يفعله.

.ومن باب حسن الخلق:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي حدثنا أبو كعب أيوب بن محمد السعدي حدثنا سليمان بن حبيب المحاربي، عَن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه».
قال الشيخ: الزعيم الضامن والكفيل والزعامة الكفالة ومنه قول الله سبحانه: {وأنا به زعيم} [يوسف: 72] والبيت هاهنا القصر أخبرني أبو عمر أخبرنا أبو العباس عن ابن الأعرابي، قال البيت القصر يقال هذا بيت فلان أي قصره.
قال أبو داود: حدثنا أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة قالا: حَدَّثنا وكيع عن سفيان عن معبد بن خالد عن حارثة بن وهب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة الجَوَّاظ ولا الجَعْظَرِي».
قال والجواظ الغليظ الفظ.
قال الشيخ: «الجعظري» فسره أبو زيد فقال هو الذي يتنفخ بما ليس عنده وهو إلى القصر ما هو.
قال الأصمعي: وهو الجمظار أيضًا، قال أبو زيد والجواظ الكثير اللحم المختال في مشيه.
قلت: وهو معنى ما جاء من تفسيره في الحديث أو قريب منه.